سليمان الحلبي

سليمان الحلبي

تذكر المصادر التاريخية المحلية، أن سليمان الذي أقدم على اغتيال الجنرال كليبر خليفة نابليون في قيادة الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798، حلبي الأصل دون ذكر جنسيته ومسقط رأسه. ولكن وحول هذا الموضوع جاء في كتاب تاريخ جودت (مؤرخ عثماني)(12) عن الحادثة، وعن جنسية ونشأة سليمان، ما يلي:

((في الحادي والعشرين من شهر حزيران عام 1800م، جرى حادث غريب على الشكل التالي: بينما كان الجنرال ” كليبر” يتجول في حديقة داره، برفقة المهندس المعماري للجيش، شارحا لهذا الأخير طلباته المتعلقة بترك الدار. ظهر شخص مجهول يشبه أصحاب المصالح، ودنا من الجنرال كليبر متظاهرا بتقديم عريضة إليه، وبينما كان كليبر ينظر إلى العريضة المقدمة، استل الشخص المجهول خنجرا، وطعن به صدر كليبر عدة طعنات، وحاول المهندس دفعه، وضرب رأس سليمان بعصاً كانت بيده، غير أن الشخص المذكور طعن المهندس أيضا بخنجره وهرب.

مات كليبر بعد سقوطه على الأرض بدقائق معدودة، بينما التجأ القاتل إلى بستان بجوار البناء، وعندما حضر الجنود إثر صياح المهندس، واطلعوا على الحقيقة، انتشروا في أطراف البناء للتفتيش عن القاتل، وقد دلت امرأة، “شهدت الحادث من نافذة مجاورة”، الجنود إلى مكان اختفاء القاتل، فألقي القبض عليه. ولدى استنطاقه، أدلى لهم: أن اسمه سليمان، ولد في حلب، وهو في الرابعة والعشرين من عمره.

ويستدل من الروايات المحلية الموثوقة إلى حد كبير، أن هذا الشخص الشجاع المدعو سليمان هو ابن “عثمان آغا” المقيم في حي “مستام بك” في حلب، وأن أجداده من عائلة ” قباد بك” من قرية ” كوكان” Kokan الواقعة في ناحية “الجوم” Cûmê التابعة لقضاء “كلس”(13)، وأن جده جاء إلى حلب ودخل في خدمة أحد أصحاب النفوذ حينذاك، واسمه “جلبي أفندي”، وعند وفاة والدة سليمان، تزوج والده عثمان آغا من إمراة أخرى، وتسبب سليمان في مقتلها، إذ رماها يوما، أثناء شجار بينهما، بسكين كانت في يده، فأحدثت جرحا في رقبتها أدى إلى وفاتها، وندم سليمان على فعلته تلك ندما شديدا، فنزح إلى مصر، حيث لازم حلقات العلم في جامع الأزهر فترة، ثم رجع إلى جهات الشام، وبينما كان يهيم على وجهه في تلك الجهات، حزن حزنا شديدا عندما رأى الجيش الهميوني “العثماني” المغلوب ينسحب من مصر باتجاه دمشق، فصمم على الانتقام لبني دينه، وقرر اغتيال قائد الفرنسيين في مصر، كما اعتقد أن عمله هذا قد يكفر عن ذنبه القديم، فرجع إلى مصر حيث اكمل مشروعه ونفذ ما كان فكر به…)).

وكما ورد في كتاب /تاريخ الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ص 365 و 374/ عن سليمان، بأنه: ولد في بر الشام، ومسكنه حلب، وعمره 24 سنة. والده يسمى الحاج محمد أمين (14)، بائع سمن في حلب.

أما الكاتب عبدالهادي بكار فقد كتب في /صحيفة الشرق الأوسط، العدد /8122 ، 22/1/2001/، أنه لما بلغ سليمان العشرين أرسله والده إلى القاهرة لتلقي العلوم الدينية في الأزهر، إلا انه بعد احتلال الفرنسيين لمصر، غادرها بعد أن أقام فيها ثلاث سنوات، وتوجه إلى مسقط رأسه “عفرين”، ثم قرر العودة مجددا إلى مصر، وتنفيذ خطة قتل الجنرال كليبر.

ولدى السؤال من سكان قرية كوكان فوقاني عن قصة سليمان التي ذكرت في تاريخ جودت، تبين أنهم على معرفة كاملة بحادثة ابن قريتهم سليمان. ولدى العودة إلى أصول العائلات القديمة في القرية، اتضح أن سليمان ينتمي إلى عائلة تسمى “أوس قوبر” Os Qoper، وهي عائلة كبيرة تشكل أكثرية سكان القرية، ويتجاوز عدد عائلاتها المائة وغالبيتهم يقيمون في حلب، وهم أحفاد “أوس قوبر” الجد الأول لهذه العائلة، والأكراد يلفظون عثمان على شكل “أوسمان”، وفي غالب الأحيان يتحول إلى: “أوسو”Oso، “أوس” Os، “أوسك” Osik …وبذلك يكون “أوس قوبر” هو نفسه “عثمان آغا” والد سليمان حسبما ورد في كتاب /تاريخ جودت/.

وبناء على ذلك، يكون سليمان من أولاد عثمان آغا ” أوس قوبر” أو أحد أحفاده كما ذكره الجبرتي. ومما يزيل أي شك عن الأمر، أن أحد أولاد أوس قوبر وهو “حسو”، سمى أحد أبنائه باسم سليمان، وتوفي سليمان هذا في أواسط الخمسينات من القرن العشرين عن عمر ناهز المائة عام، أي أن تاريخ ولادته تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، وكان يذكر أحاديث غامضة لوالده وأعمامه، منها ما كانت تتعلق بسليمان “الحلبي”، ولكن للأسف لم تدون أحاديثه تلك، ربما لكون هذه الأحداث معروفة بالنسبة للعائلة، ولذلك ليس هناك داع إلى تسجيل ما هو معروف، وقد يكون “حسو” سمى ولده باسم “سليمان”، تيمنا باسم عمه، أو ابن عمه قاتل “كليبر”.

أما المصادر التاريخية فقد أسمت سليمان بالحلبي، لمجرد سكنه في حلب “مركز الولاية”، بدلا عن تسميته بسليمان  الـ “كوكاني – قريته” أو الـ “جومي –  ناحيته” أو الكردي “جنسيته”.

وجمجمة سليمان الحلبي محفوظة في متحف “إينفالد” في فرنسا، وهناك سعي من جهات سورية غير رسمية، تدعو الفرنسيين لإعادة الاعتبار إلى سليمان الحلبي، ورفع صفة المجرم المدونة على جمجمته، ومن ثم إعادتها إلى سوريا لدفنه في مسقط رأسه “عفرين”، أو في مدينة حلب، بصفته بطلا من شهداء الحرية والاستقلال.

(12)- تاريخ جودت – الجزء السابع – الصفحات 84-87، الطبعة الثانية 1309هـ/1891م، ترجمة  المرحوم الدكتور مصطفى نوري، والده نوري طاهر من أكراد دياربكر، وقد نال شهادة الطب من استنبول، ومارس المهنة في مدينة عفرين في أواسط القرن العشرين، وأصبح رئيسا لبلديتها في أوائل الستينات.

(13) – إشارة إلى التقسيمات الإدارية لمنطقة جبال الكرد في العهد العثماني، و “جومه” هو سهل الجومه الذي تقع مدينة عفرين في وسطه.

(14) – أعتقد أن “عثمان” الذي ورد ذكره في “تاريخ جودت”، هو “جد” لسليمان، ووالد محمد أمين.

بقلم: د. محمد عبدو علي

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.