لقاء مع الفنان التشكيلي أصلان معمو

لقاء مع الفنان التشكيلي أصلان معمو
” وهناك حيث شجرة التوت المزروعة ضمن بيدر جدي…اراقبها كيف تحضن أعشاش العصافير وكيف تحضن طفولتنا ونحن نطير فرحاً على أرجوحةٍ صنعناها من حبلٍ متين وربطناها في غصن الشجرة”
أصلان معمو فنان تشكيلي ابن مدينة عفرين تولُد 1978 وعضو اتحاد الفنانين التشكيلين السوريين منذ عام 2008 , هو لا ينتمي إلى الفنانين الذين يعتزلون المجتمع بل يتواجد بفاعلية وحضور دائم وحس وطني متميز ليقترب من الناس ولا يكتفي بالتواجد المادي بل بتواجده الروحي أيضاً ينصت إلى كل ما يحدث وينعكس ذلك في أعماله بأساليب وتقنيات مختلفة أصلان معمو تلاحم مع فظاعة ما حدث لمنطقة عفرين بعيد الاحتلال التركي فكان يصرخُ تارةً … يرسمُ تارةً لتشتعل ريشته رصاصاً في وجه المحتل .
ساهم أصلان معمو في تطوير الثقافة البصرية بل ربما تشكيلها في منطقة عفرين في ظل انعدام مدارس الرسم والمعارض التشكيلية حينذاك ففتح الباب للمبدعين الصغار لتنمية مواهبهم وإقامة معرض سنوي لأعمالهم بعنوان “ألوان
من عفرين” وأقام دورات تعليم الرسم لمختلف الأعمار.
نتعرف على شخصيته أكثر وجوانب من عالمه من خلال اللقاء التالي:
1- أصلان معمو ماذا يحدثنا عن طفولته ومتى اكتشف بذور شغفه بالرسم ومن الذي دعمه؟
طفولتي كانت مليئة بالحركة لم يكن يهدأ لي بال إلا خارج المنزل ألعب وألعب حتى التعب وكانت أكثر لعبة مفضلة لدي كرة القدم والرسم … الرسم على أي شيء أصادفه على الجدران على التراب على الأبواب بالطباشير وعلى كتب ودفاتر أخوتي رغم توبيخي من قبلهم ومعاقبتي بعقوبات صارمة ..الخ ففي كل مناسبة كنا نذهب مع عائلتي إلى قريتي “بركاشة” كنت أذهب بأغنام وماعز بيت جدي التي كنت شغوف بها إلى البيادر انتظر غروب الشمس كي استمتع بلونه وهناك حيث شجرة التوت المزروعة ضمن بيدر جدي…اراقبها كيف تحضن اعشاش العصافير وكيف تحضن طفولتنا ونحن نطير فرحاً على أرجوحةٍ صنعناها من حبلٍ متين وربطناها في غصن الشجرة .
قريتي “بركاشة” ذات ال13 منزلاً .. ودائماً أعدُّها وأقول في قرارة نفسي إن البيوت ما زالت ثلاثة عشر منزلا لم يزيدوا بعد, هناك استمتع بالتأمّل وأنا جالس على إحدى الصخور التي تعطيني شيء من الشموخ وكالطائر الحر افرد جناحيّ واحلق عالياً ….
موهبة الرسم لم يكن اكتشافاً .. بل ما كنت أبحث عنه فعلاً وأنا في سن العاشرة من عمري وقتها كنتُ في المرحلة الابتدائية وبالتحديد في الصف الخامس اتذكر حينها كيف كنت ارسم لأصدقائي في الصف ولأولاد الجيران ..كنت ألاحقُ أي صورة للوحةٍ أتأمّلها بشغف كبير ومن ثم كبرت القصة معي وبدأتُ أرسم وأرسم من دون تعب وفي المرحلة الإعدادية كنتُ أضع طبيعة صامتة أمامي من أواني المطبخ في إحدى غرف بيتنا وأقفل الباب كي لا يراني أحد من عائلتي وأرسم .. ثم أفاجئ أخوتي ووالدتي بالرسمة .. والدتي هي الإنسانة الوحيدة التي كانت تدعمني وتشجعني على ممارسة موهبتي في الرسم كانت تعطيني مصروفاً إضافياً كي اشتري مواد الرسم بدون علم والدي كي لا يوبّخني على شرائي للمواد وفي مراحل متقدمة لقيتُ التشجيع من أخي الذي يكبرني بثلاث سنوات .. كنتُ أرسم كل أفراد عائلتي وأفاجئهم بتلك الرسوم…الفن بالنسبة لي بدأ كهواية وكبر معي حين كبرتُ إلى اليوم ما زال يكبر معي إنه أنا بدون الفن لا استطيع العيش وإكمال حياتي .. أقلامي وأحباري دائما معي, وفي كل زيارة للطبيعة مع العائلة او الأصدقاء أحمل ألواني و دفتري معي أينما ذهبت .
.. 2- أصلان معمو ماذا يحدثنا عن بداياته الفنية وأين كان؟
كنت في حلب مع بداياتي الفنية وأنا من مواليد حلب وفي سن العاشرة بدأت رحلتي إلى أن كبرتُ وكبرتْ معي بدأت أفكر بالفن كهدف أسعى إليه من الناحية المعيشية والروحية .. اتذكر انني بعت أول لوحتين في دمشق العاصمة ومن ثم فكرت أن أقيم معرضاً فردياً وكان ذلك في صالة سرمد في حلب عام 2004 فكان أول لقاء لي مع الجمهور ..قبلها أيضاً شاركت بعدة معارض جماعية .
.. 3- هل يتأثر أصلان معمو بمدرسة معينة أو أسلوب معين في الرسم أم يترك لنفسه الفضاء مفتوحاً؟
أتركه مفتوحاً لأنني في بداياتي كنتُ وحيداً ولا أصدقاء لي من الوسط الفني كنت اتمنى أن يكون لدي معلماً افتخر به و يكون قدوتي لكن للأسف لا أحد, كنت أنسخ لوحات لكبار الفنانين العالميين لمشتري لوحاتي الذين يطلبون مني أن أرسم لهم فأرسم لوحات الاستشراق ولفنان الضوء الهولندي رامبراندت والفرنسي اوجين ديلاكروا وبيكاسو وفان كوخ وغيرهم لدرجة أنني كنت أبحث في تاريخ حياتهم بشغف وحب كبيرين فكنت أقتني الكتب عن حياتهم وتاريخ الفن منذ أقدم العصور, لا أشعر بالملل أبداً ولا أتعب في حضرة الفن المقدس بالنسبة لي استمتع واتأمل وأبحث وأقرأ وألخص كل ما أقرأه بخط يدي .. أتابع كل جديد عن الفن, استطيع الجلوس لوحدي مع ذاتي لساعات وأيام بحيث أنني أفعّل ذاكرتي وتأملي فحينما أذهب زيارات إلى قريتي وأجلس مع الطبيعة تتفتح قنوات في مخيلتي و اتأمل بعمق جذع شجرة زيتون ربما أو ماء جاري وحتى الغيوم أي شيء اصطدم به فالتأثير الأكبر هي للطبيعة الأم وربما أتأثر بدمعة طفل أو مشهد يوحي لي بالكثير.
.. 4- أصلان معمو هل للفوضى مكان في حياته الفنية ؟
إنها تأخذ حيزاً لا بأس به وهي جزءٌ لا تتجزأ من ما يدور في المخيلة واتأملها أيضاً كجزء مني. الفوضى التي أراها حولي والخاصة بي لا أجدها في أي مكان لذلك فهي مميزة و مؤثرة لتفاصيلي .. ربما الفوضى تجلب الاستمرارية على البقاء لإطلاق الخيال واللعب بما يدور من حولي .. نترك الأشياء على حالها كي نعود إليها هذا بكل بساطة, الرتابة متعبة للفنان لذلك يترك الأشياء على حالها وربما في أي لحظة يعود إليها .. وهنا استطيع القول إننا من أبدع الفوضى وعندما نرتبط بالآخرين ونحتك معهم نصبح إلى حد ما أكثر رتابة .
.. 5- أصلان معمو هل المكان يترك تأثيراً ملحاً على شخصيته وعطائه الفني؟
المكان له الأثر الكبير والعظيم أيضاً فالفرق واضح عندما أكون جالساً في صحراء قاحلة او أن أكون على ضفة بحيرة ميدانكي أو بجانب شلالات كمروك وصوت مياهها يطلق العنان لمخيلتي كي ينطلق أبعد من الخيال ذاته .. جمال المكان يفرض ذاته في تكويني ويتدخل بأحاسيسي أيضاً .. وكل مكان له عدة تأثيرات في النفس وتعطي أكثر من إيحاء وأكثر من نمط ويأتي التأثّر جميلاً و أكثر إبداعاً, فجلوسي أمام جذع شجرة زيتون أو الصفصاف و الغرق في التأمل لدقائق أو ساعات يعطيني خيالاً شاسعاً كالكون .. لا يُوصفْ شعوري وأنا جالس على صخرةٍ واتأمل ما حولي من أفق و أشجار وتلال ..لدرجة أنني ألملم أحجاراً اعجبني شكلها وحتى ألوانها, اقتنيها من الطبيعة وأخذها معي إلى المرسم, أشعر وقتها أن الطبيعة في زيارة لي في المرسم.
.. 6- أخيراً اصلان معمو ماذا يحدثنا عن عفرين الوطن؟
كيف لي أن أحدّث الآخرين ومن حولي عن روحي والأرض الأم .. اتذكر هنا في صيف 2009 بينما كنت اذهب لإعطاء درسي في عفرين لبعض الطلاب .. بعد كل درس كنت أذهب خارج عفرين لأسير على طريق معراته لبضع دقائق وأحياناً أجلس بجانب الطريق لوحدي كنت اولد مع هذه الدقائق من جديد مع رقة هوائها المنعش للذاكرة والروح… عفرين لا يضاهيها مكان فهي الشجر والمياه والصخور والهواء عفرين هي الربيع كله وكل الفصول وجسدها نحنُ.
Evlin Ibesh

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.