حـمو الـصغير …. يَـنْهلُ مِـنْ يـنابيعِ الأمـلْ

 

10417225_1415904278696088_1430850449_n

صلاح الدين عيسى – موسوعة جياي كورمنج

لم يـدرِ سـمير حسن بأنَّ الأمـورَ سَـتـؤولُ إلى ذاكَ المنحى الخطير ، وأنَّ ما تخبئه له الأيام سـيتركُ بصمات على جـدران حـياته . بـعد أن أدى سمير خـدمة الـعلم عـمِلَ لسنوات في إزالة الأعـشاب الـضارة وتـقليمِ أشجار الزيتون الـعائدة لأبـناء قـريته وما جـاورها مـن الـقرى وأثـناء الـموسم كان يـعمل في جـني ثـمار الـزيتون عـند أهـل قـريته ويـتـلقى أجـراً مـقداره الـربع ، وكـلما احـتاج أهـل الـقرية لـعامل نـشـيط اسـتعانوا به ، إذ هـو مـعروف بـتأديته للأعـمال بـجد وإخـلاص . كـان يـتـلقى أجـرته وينصرف ـ تـملأه الـغبطة ـ إلى مـنزله حـيث يـجمع الليرة ويخبئها مـع أخـواتها أملاً في الـتقدم إلى هيـﭭين الـتي ربـطته وإيـاها قـصة ُحـبٍّ خَـفِـيـَّة . تـمضي الأيام وسـمير قد جمع نـصف الـمهر ، يـسافـر مـنْ ثـَمَّ إلى لـبنان لـيعود مـظفراًً فيتـقدم إلىهيـﭭين ويعـقد قـرانه عليها . لـم تـخلو حـياة هيـﭭين من الـبؤس والإحباط بل اكـتنفها سـلسلة مـن الـمآسي بـدأت حـينما كـانت في ريـعان الـصبا … حـيث تـزوجت مـن أحـد أقـربائها الـذي عاشت مـعه قـرابة عـامين دون إنجاب ، يلـعب الـقدر لـعبته فـيصاب الزوج بمرض خـبيث .. يــرحل على أثرها عن هـذه الدنيا ، تـتوالى الأيام وهي تـعاني الأمرين في بـيت والـدها إلى أن يطـرق سـمير بـاب بـيتها وقـلبها ، لـم يـكن لها مـن مـفر إلا في الاستجابة لـنداء فـؤادٍ وعـقلٍ أمـراها بأن تـتـقـاسـم مع سـمير كـؤوس الـحزن والـفرح . هيـﭭين لا تـكـتم اليوم بأن حـبها لـسمـير قـد ازداد وعَـظُمَ خلال السبعة عشر سنة التي أظـلهما فـيه سـقـف الـبيت . تـمر السنون والـعائلة يـزداد أفـرادها ، كان حـمو ابنها الـبكر تـلته فـيدان ومـن ثـم قـازقلي وأخـيراً مـاهر . وأمـام مـتطلبات الـعائلة فـإن سـميراً قـد ألـقيتْ على عاتـقه مـسؤوليات كـثيرة ، أول عـملٍ قـام به ، إزالة الأعمدة الـخشبية من سـقف الـغرفة وفـرشها بالاسـمنت والـحديد وبـذلك تـخلصت الـعائلة من الـمياه الـتي كانت تـنـسابُ إلى الـغرفة عـبر الـسقف ، وربـما كان الـعمل هذا ، إنجازاً أخيراً وكبيراً للعائلة فـربُّها لـن يقـوََ مـن بـعدُ على تـقديم أيِّ عـون لها . في داخـل حـدود هـذه الـغرفة الـيتيمة تـُمارَسُ أكـثر الـنشاطات مـنْ مأكل ومشرب ومـنامة واسـتحمام ، ومـن أجـل تأمـين الـدفء في قـَرِّ الشتاء ، تلجأ الزوجة إلى الجبال المجاورة لجلب الحطب . أصـيب سمير بعد ولادة حـمو بـمرض القلب وباضطرابات هضمية وضيق شـديد فـي الـتنفس وهـو ومنذ 12 سنة يداوم عـلى عـيادات الأطـباء والـصيدليات فـاقداً الأمل في الـشفاء إذ لم ينفع مـعه كل دواء وما يتناوله اليوم لـيس إلا أدوية تـُسَـكـِّنُ من آلامه ، هـو الـيوم جـليس الـبيت لا يـقو على عـمل فـي وقـت ازدادت فـيه مـتطلبات الـعائلة ، أدركـت هيـﭭين حـجـمَ الـمـأسـاة فـشمرت عن سـاعديها وبـدأت تـعمل ـ في المواسم ـ في حـقول الشوندر والـذرة والـبصل والـثوم والـزيتون ، بأجـر يومي لا يتعدى ( 200 ) ليرة سورية ، ما تـحصل عـليه هـذه الـمرأة نصفه يذهب لمعالجة زوجها والـنصف الآخر لإطـعام الأولاد . لـطالما تـمنت هيـﭭين بأن تـتاح لها فـرص الـعمل طـيلة أيـام السنة ولكـن ما بالـيد حـيلة فالأعمال في الـقرى محصورة بالـمواسم وكـذلك الأجر ، وبينما يـنفطر قـلب هيـﭭين الـيوم لـمرأى الزوج والهيئة التي هو عـليها فـلذة كبدها حـمو ، فـإنها تـزداد إصـراراً فـتؤكد بأنها سـتعمل الـمستحيل أمـلاً في إدخـال الـبهجة إلى أفراد عـائلتها والـدليل على ذلك بأنها حـينما رأت تـَعَـلـُّقَ حـمو بالرياضة ورغـبته الشديدة في مشاهدة المباريات ، فإنها أخذت تـعمل ولـعشرة أيام على الـتوالي في حـقل للـبصل ولـما قـبضت أجـرتها أبـرقت لأحـد بائعي ” الساتالايت ” في شيخ الحديد لـيأتي ويقوم بعملية الـتركيب ، أخـبرتني هيـﭭين بأنها وفي وقـفة عـيد الـفطر الـسعيد ، اصطحبت معها حـمو إلى شيخ الحديد لزيارة صالون الحلاقة وبعد أن دفعت ثمانين ليرة للحلاق ، طلبت منه بأن ينزل عند رغبات الطفل في التسريحة التي يحبها . كـانت تـرى الـفرحة في عـين حـمو فـيزداد وجـهها إشـراقاً بعد إشراق ، حـمو الصغير يـحـفظ الـيوم ألـوان أعـلام الـدول الـتي شاركت فـرقها في الـمباريات الـعالمية . في حديثها عن طفولة حـمو … عن بـدايات نـموه وإدراكـهِ تـقول هيـﭭين : كـان طـفلاً عـادياً مـثل كـل الأطـفال لـكـنه وفـي السـادسة مـن عـمره كـان يـردد دائـماً أمـام أطـفال الـجيران بأنـه حـينما يكـبر فـإنه سـيتمكنُ مـن الـهرولة واللعب مـثلهم ، تـضيف الأم بأنها تتـلقى الـيوم امـتناعاً مـن حـمو ورفـضاً حـينما تـقوم بـعملية الاستحمام فـإنه يـرفض أن يـتعرى أمـامها ويـحدث نـفس الأمـر حـينما تـُدْخِلهُ إلى ” التواليت ” لـقضاء حـاجته إذ يـطلب مـنها تـركه هـناك والابـتعاد عـنه إلى أن يـنتهي . يـُذكـَرُ والصورُ تـُطلعنا على تـفاصيلِ تـكوينه ، أن حـمو وُلِـدَ مـشوهاً بلا يدين وأن قـدماه لا يستطيع ثـنيهما لـعدم وجـود رُكَـبٍ لـه . حـمو الآن في الثالثة عشرة من عـمره وقـد نـبتتْ أسـفلَ إبـطيهِ شـُعَيْراتٌ وكـذلك فـإن في قدمـيـه يتكاثف الشعر مما يدل على رجـولة مـبكرة هـوَ فـيها . في تلك الـقرية .. فـي جـقللي فـوقاني الـتابعة لـشيخ الـحديد … وعـلى تـل يـطل مـنه مسكنُ حـموالصغير … مـن بـيتٍ يـلفهُ الـبؤسُ ويـفـتكُ بأفراده الـعوزُ والـفاقة ، مـن ذاك الـمكان يـسـتـنجـدُ بي هـذا الـطـفـل الـمعاق والـدموع الطاهرة تـنساب على وجـنتيه : أريـدُ أنْ أسـيرَ كـبقية الأولاد لأرى عـفرين وبـحيرة مـيدانكي ، هـل صحيح يا عـم بـأني سـأسـيرُ حـينما يـتقدم العمر بي ؟؟ تـمسحُ أمـهُ دمـوعهُ فـيتابع قائلاً : لـقد ضِـقـْتُ ذرعـاً بالـمكوث في مـكان واحد …. عـمو منْ فـضلكَ خـللي الـحكومة تـعطينا راتباً ، قـل لها مـن فـضلكْ ها ، هـل تـَعِـدُني بذلك ها ؟. امـتلأتِ الـصحفُ وجفـَّتِ الأقـلام ، كِـدْتُ أن أشارك حـمو انهمار الدموع لولا أنْ تمالكتُ نفسي بصعوبة ، اسـتـفـقـتُ من حـالةِ ضـعفٍ أوقـعني فيها حـمو، أخذتُ أهـدئهُ مجاملاً بأني سـأفعل ما أشـار إليَّ بـه رغـمَ أني وفي قـرارةِ نـفـسي كـنت أدري مدى كـذبـي كـوني ـ والحقُّ يُـقال ـ لـيس لـي مـن حَـولٍ فـيما أشـار إلـيَّ عـمله مـن أجـله .

986818_1415695352050314_1778648162_n 10409813_1415904315362751_909290246_n 10425577_1415904238696092_664325881_n

أضف تعليق