عاد موسم قطاف الزيتون في عفرين هذا العام بغصة نتيجة التحولات العصيبة التي مرت بها منطقة عفرين حيث شاركها صمودها وبقاءها شجرة الزيتون المباركة كيف لا وهي مَعلم من معالم هويتها وشريكتها في المعاناة والمقاومة بما تتعرض له من حرق وقص وإزالة فهي رمز من رموز الصمود والتحدي والتي هي بالأصل في طبيعتها كشجرة عصية تتلاءم وتتكيف مع درجات الحرارة المرتفعة وبرودة الطقس الشديدة بالإضافة أنها رمز الجمال والخير والعطاء والخضار الدائم والفرح المترافق مع كل موسم زيتون يعود فيه حاملاً معه بشائر الخير والأمل لدرجة أن موسم الزيتون في عفرين يعد طقس اجتماعي وارتباط روحي مع الأرض والشجر حيث يستعد أهالي عفرين طوال العام لاستقبال الموسم من خلال الاعتناء بالأشجار وحراثة الأرض والاهتمام بها إلى أن يحين موعد قطافها, ويعتبر الأهالي أن أفضل موعد للقطاف هو بعد المطرة الأولى حيث تعمل على غسل حبات الزيتون وأوراق الشجر وتساعد على سهولة قطفها وزيادة نسبة الزيت في حباتها, ويشارك في جني قطاف الزيتون جميع الأهالي صغاراً وكباراً … نساءً ورجالاً.. شيوخاً وأطفالاً يجتمعون حول شجرة الزيتون بكل حب وألفة في كرنفال سنوي تباشر فيه العائلة العفرينية خلال هذه الفترة من السنة التي تمتد حتى قبيل نهاية العام, البدء بقطاف الزيتون في لوحة اجتماعية تشاركية جميلة حيث يستيقظون باكراً قبل طلوع الشمس ويذهبون إلى الحقول ويبدأون بوضع قطع من القماش الكبيرة والخيش حول شجرة الزيتون حتى يسهل عليهم التقاط الزيتون بدلاً من ضياعه على الأرض ليتم في ما بعد لملمتها وغربلتها وفرزها.
عملية القطف تكون يدوية ممزوجة بالفرح وموسيقى سقوط حبات الزيتون يتخللها أصوات بعضهم يغنون عن بعد غناءً جميلاً وضحكات الأطفال وحماستهم لمساعدة الكبار في نسيج من الفرح الطفولي المكثف من لعب ومرح وملاحقة بعضهم بأغصان الزيتون هو العيد الذي يجلبه الموسم لهم وللأهالي الذين يحضرون معهم أنواع الطعام والشراب ليجتمعوا فيما بعد على الغداء في الهواء الطلق تحت شجيرات الزيتون في أجواء من الفرح والتعب والإنجاز ومن ثم الجلوس لتبادل الأحاديث واستذكار مواسم قطف الزيتون في المواسم السابقة في الوقت الذي تبدأ فيه إحدى النسوة بجمع الحطب واشعال النار لتحضير الشاي على الحطب كطقس لا يتجزأ من عمر المواسم , الشاي المعتق برائحة الحطب ورائحة الزيتون وحكايا الأجداد التي يرويها الأرض لتصبح ذاكرة الأرض شاهدة على أبنائها وهم يتابعون عملهم بدأب وحماس إلى أن ينتهوا بعدها يقومون بلملمة حبات الزيتون وغربلتها ليتم فصل الحبات عن الأوراق وفرز حبات الزيتون الأخضر عن الأسود السليم والناضج والخالي من أي بقع ليتم وضعها في دلو من أجل صنع مخلل الزيتون ثم يقومون بوضع الزيتون في أكياس كبيرة ( شوال) تمهيداً للذهاب إلى المعاصر هناك ينتظرون بفارغ الصبر أولى نقاط الزيت وهي تتقاطر من المعصرة ليتم تذوقها مع عبارات الشكر والحمد لله, المنفعة المادية هي من الأسباب القوية التي اسهمت عبر الزمن في تأصيل هذا الطقس الاجتماعي فشجرة الزيتون تمتاز بأن كل ما فيها مفيد زيتها وثمارها وأوراقها وحطبها فهي قد تعمر لآلاف السنين .
هذه هي حكاية زيتوننا حكاية العراقة والأصالة والارث التاريخي العظيم الذي يؤكد على الدوام أننا ننتمي إليها وحكايتنا حكاية وجود لا ينفصم أبداً ” عفرين الزيتون ” .
صور من قطاف الزيتون في جنديرس ومعصرة قرية حمام: