العنف يدمر الإنسان ويقتل فيه كل بذور الخير ، العنفُ ورثناه مذ أبصرنا النور وفي متاحف عقولنا وقلوبنا وعواطفنا أفسحنا له ما شاء من أمكنة يسرح ويمرح في مرابعها . تفضيلنا للعنف إنما يدل على عدم احترام نكنه للآخرين ، فالمواطن الذي ينتهك حرمة القوانين فيسرف في الكهرباء والماء ويعبث بالمرافق العامة والموظف المرتشي والمعلم الذي يوجه تلامذته لدروس خصوصية متعمداً سوءً في الأداء أثناء الدوام الرسمي ، والصحفي مَنْ يملأ زاويته بما هبَّ ودبَّ من كلمات لا تلامس واقعاً يعيشه الآخرون ، وأكثرُ محرري الشؤون الثقافية في الصحف والمجلات الرسمية الذين فضلوا الببغاء على غيره من الطيور والتزموا الصمت ودأبوا على نعت الكاتب الملتزم بالسوداوية والتطرف غير آبهين لأوبئة تهدد بالزوال أسساً وقواعد ترتكز إليها أيٌّ من المجتمعات ، والكاتب الذي فضل العزف على أوتار الأقوياء ينشد بقايا من فتات ، والزوج مّنْ يسحق الجمالية في أنفس آل بيته والمذلون والمهانون الذين وبتلقائية يصفقون لمن يلفحهم بسياط الحرمان ممجدين ، والقائمون على إدارة الغزوات ( القنوات ) الفضائية ممن يجبرون المشاهدين على تقبل سخافاتهم والمذيعون الذين يصطنعون خفة الدم ، والأطباء الذين امتهنوا تجارة الأنفس ومتعهدو البناء المتوكلون على الخالق إبقاءً لأبنيتهم منتصبة بعد أن جردوها مما يمنحها القوة والثبات ، كل أولئك يفتقدون معنى الاحترام ، احترام الذوات واحترام الآخرين . العنف مزروع في روابينا وسهولنا وحوارينا وبيوتنا ، ألـِفْـنا طلته الكالحة وأدْمـَنـّا عليه ، هو الأنيس والسمير، هو رفيقنا في ممارسة أنشطتنا اجتماعية ً كانت أم سياسية ً أم اقتصادية ً أم رياضية ً ، أكثرنا سادِيٌّ ، مَنَحَنا العرف الجاهلي مرتبة الريادة فأبحرنا في مفاتن المرأة ندنس الحياض والرياض ، ونسحق ـ تملأنا النشوة ـ الأزاهير والرياحين وبثقة عالية وبتفاخر وباسم العرف والتشريع نعلن نيل الحقوق . وهل أفدحُ من أن يُـذِلَّ بعضنا الأنثى أحياناً ويغوص من ثم في أعماقها متباهياً بذكورة رفع الجهلُ من قدرها ؟! أو ليست السادية مرضاً عضالاً مستفحل في أنفس كثير منا فبتنا في ذروة النشوة وأوجها سيما حينما يُحَـقِّرُ الأنثى أحدنا أو يلهب جلدها والتوسل تبديه والعفو تنشده من صاحب الجلالة ؟!.
Salah Issa