* بـــوحٌ فـي جــــدارٍ أصـمّ *

 

صلاح الدين عيسى – موقع جياي كورمنج

استوقفتني البارحة مقالة لأحد المثقفين الكرد ، تحدث فيها عن الفكر العروبي المتطرف ، وبسرعة البرق أعادتني الذاكرة إلى عقدين من الزمن حينما طـُلـِبَ مني الكتابة في صحيفة علمانية سورية وفي اشتراطي آنذاك في أن أختار المواضيع ذات المضمون النضالي وأن امتلك الحرية في تناول قضية أي شعب مظلوم على وجه البسيطة . قوبلت طبعاً بالرفض واتهمت بانحيازي لكرديتي والأمر كان عادياً لو أني لم أفعل ذلك أو أني قدست العروبة في صحيفة تسير على هدي تعاليم ماركس ولينين اللذان دعما حرية الشعوب في تقرير مصيرها . وكذلك الذاكرة تعود بي إلى طفولتي حينما كنت لا أدري من الدنيا إلا لعباً في الحارة مع رفقائي وألبسة رثة ومدرسة قاسيون الدمشقية حيث تعلمنا أصول الكتابة والقراءة ، كان السؤال من قبل الكبار زائرينا : صلاح ، هل أنت كردي أم مسلم ، وطبعاً كانت تخونني الإجابة كوني لم أدري ماهية كوني كردياً أو مسلماً.
في مرحلة الصبا والفتوة والرجولة كنت أتمنى منصفاً واحداً يحدثني في قضية ما دون إضفاء العروبة على أشياء وأمكنة وأشخاص .
أذكر وفي محفل ثقافي في عفرين قد تطرق الحديث إلى العرب وحينما جئت على ذكر الفينيقيين والآراميين من الشعوب القديمة ، بادرني مثقف عروبي : أوليس الفينيقيون والآراميون أجداد للعرب ؟ وبالطبع لم أتمالك نفسي ورباطة جأشي فأعلمت ندي في الحديث بأن المتطرفين العرب من كل التيارات إنما يسيئون للعرب وهم يحسبون أولا يحسبون بأنهم مصدر فائدة .
نعم ، سايكس بيكو قسمت بلاد الكرد والحكم العربي في العراق وسورية قد حسب بأن الدولتين إنما منحة الرب للعرب وهذه المنحة قد جعلتهم علمانيين كانوا أم متأسلمين أم قومجيين يتشبثون بكل شيء ، يلونون الحجر والتاريخ والبشر ، يضفون العروبة على كل شيء ويعمهون في إقصاء من ينشد الحياة من بقية الملل مخالفين بذلك شريعة الخالق ومبادئ حقوق الإنسان.
يفاجئك البعض بالسؤال التالي : أوليس الأكراد عرباً ؟؟
وربما تمنحهم العذر فالثقافات العربية لم تؤكد على تنوع الأعراق البشرية وكما أسلفت فإن الكل قد تلقن في المدارس بأن الكل في سورية والعراق عربي قح ، وأما المثقفون في بلادنا وإن أدركوا الحقيقة لكنهم كانوا أبواق السلاطين وكذلك معظم رجال الدين الذين باعوا أنفسهم وضمائرهم لقاء نعيم يحسبونه نعيماً .
وأما الأكراد في موطن الأجداد فإنهم أسهموا وبشكل كبير في نهضة البلاد التي تضمهم جغرافيتها ، أبدعوا في رسم حضاريتها وأفنوا النفس حفاظاً على قدسية ترابها ، وهم إن أرادوا حفاظاً على شخصيتهم من اضمحلال يرغبه الآخرون لهم أو أرادوا استقلالاً وتفرداً بذاتيتهم في بقعة جغرافية ما ، فهذا ليس تمزيقاً للجسد العربي أو تدميراً أو تآمراً أو مبرراً لنعتهم بموالاة اليهود ضد العرب.
إذاً ، هو الجهل ممنهج في ثقافات العرب ، جهل بالتاريخ والحضارة ، جهل في كيفية تعامل المرء مع ذاته فكيف إن تطلب الأمر تعامله مع الآخرين ؟؟؟.
نحن شعب نكره الظلم ونحرمه على أنفسنا وعلى الآخرين وما دفاعنا عن العدل إلا لترسيخ أسس التعايش الإنساني بين كل الشعوب التي تجاور مناطق سكنانا.
هي إبرة ثقافة أغرزها في عقول إخوتنا العرب ،أنشد منها تبصراً وتعقلاً ووعياً في التعامل مع القضية الكردية . اللهم إني بلغت فاشهد.
ملاحظة : إخوتي العرب : لو أني خُـيـِّرتُ في منبتي وعرقي لاخترت أن أكون سويدياً أو دانماركياً أهنأ برغد العيش لكنها إرادة الخالق في جعلي كردياً ، وهلْ مَنْ يُعارضُ مشيئة الله في خلق الإنسان بالعرق الذي يريده جل جلاله؟؟؟!!!!.

 

 

 

أضف تعليق