وَرُبَّ صُـــدْفَــةٍ خَــــيْرٌ مِنْْ مـلـْيــــونِ مـيـعـــادْ

10417024_1421331441486705_1000697647_n 10453230_1421331471486702_1646973293_n

صلاح الدين عيسى – موسوعة جياي كورمنج

هي الأقدار تلعب دوراً في طبيعة عيشنا فنحن أمامها غير مخيرين بل مسيرين شئنا أم أبينا ، وما يخبئه لنا الزمن لو استدلينا عليه لكنا في حذر دائم وخشية أبدية. لم يعرف * بيرم * أن تغييراً وتبديلا سيصيب فكره وطبيعة عيشه ومحيطاً يمارس فيه طقوس الحياة ، هو فقط قرر الرحيل وترك قريته * جقللي فوقاني * والصمت يلفها والأحقاد والأضغان ونزاعات أهلها لم تزل من أبرز سماتها ، هو أراد العيش في روضة حب وبستان أمل كونه يتوق للحرية بكل معانيها الإنسانية ، بكل مفرداتها الجميلة ، في اسطنبول طاب له المقام حيث العمل كمزين رجالي وبامتياز . المحيط الذي يعيشه اليوم يختلف البتة كما أسلفت عما كان عليه الحال ، فهنا اكتسب * بيرم * كثيراً من مهارات التعامل مع البشر ، اتسع أفقه وتوسعت مداركه ومعارفه وفجأة وجد نفسه في قالب جديد ، فـ * بيرم * اليوم ليس بـ* بيرم * الأمس حينما كانت سفوح القرية وسهلها الحدودي يشهدان على مرحلتي الطفولة وأول الشباب . طاب العيش له في هذه المدينة الكبيرة فهو وبعد العمل ومغادرة صالون الحلاقة تجده يتسكع في الأسواق أو أنه عند شاطئ البحر يملأ رئتيه بعليل النسمات ، ومن ثم يخلد إلى مقعد متتبعاً سفنا مغادرة وأخرى قادمة وعيناه لا يرخيهما عن جماليات المكان والبشر ممن يرتادون البحر للتنزه وتمضية ما يمتع الأنفس ويبهج الأنظار، هو قد ألف المكان وطرائق العيش لكنه وفي أحيان كثيرة يحلق إلى قريته يُـقـَبـِّلُ فيها السهل حيث كان يساعد والده في العناية بشجيرات الزيتون ، يعرج على السفح مستلقياً في ظل نخلة بينما الخراف ترعى ومن بعيد تتراءى له بيوت القرية وأزقتها وسكون موحش بل وصمت مطبق يخيم عليها. تمضي الأيام ويجد بيرم أنه في حاجة ماسة إلى خليلة تناصفه رحلة الحياة ، والأقدار أيضاً قد أبت إلا وأن تقحم نفسها في الاختيار ، الصدفة في اللقيا كانت عنوان محبة ووله يعيشه اليوم * بيرم * فقد احتلت قلبه صبية من قريته التقاها في اسطنبول ومن نظرة وهمسة ونجوى اكتملت بيادر المحبة وتوطدت أواصر العشق ، فكم جميلاً أن يعيش المرء حالة عشق ولو لبرهة من الزمن . * بيرم *مثله مثل كل الفتية الهاربين من جحيم القهر والموت إلى نعيم الحياة ، محب هو لكل البشر ، وبكل جوارحه يتمنى أن تتكحل عيناه بذاك اليوم الذي يخيم فيه الأمن والرخاء على سورية ليقفل راجعاً إلى بلاد لا يستبدلها بجنان الأرض .

أضف تعليق